كان شيخنا سماحة الشيخ أحمد كفتارو يقرأ كثيرا، وكان نموذجا فريدا في التعامل مع الكتاب، ما دخلت عليه مرة إلا وبيده كتاب، في بيته، في قاعته في المجمع، حتى إنك لتدخل إلى غرفة نومه فتجد مجموعة من الكتب التي اعتاد أن يكثر من قراءتها، ومراجعتها وقد وضعها على سريره، حتى في سيارته كان يستغل الوقت في تنقلاته فيقضي الوقت وهو يقرأ، ولذلك أضافوا له (نيون) فوق رأسه في الكرسي الخلفي حتى يرى الكتابة على الصفحات بشكل جيد !!
وكنت إذا جالسته واخبرته بفكرة فاستحسنها أو استغربها يسألني: أين وجدت هذا؟
فإذا أخبرته عن الكتاب الذي وجدت فيه هذه الفكرة، أمسك القلم وسجل اسم الكتاب، واسم مؤلفه.
وكان يحدث إخوانه في المجالس العامة عن بعض الكتب التي يستحسنها، ومن الكتب التي سمعته يشيد بها في دروسه: (الإسلام دين المستقبل) لروجيه غارودي، و(عالم غير منظور) ليمنى زهار، و(المئة الأوائل) لمايكل هارت، (فضل الكلاب على كثير ممن تجمل ولبس الثياب)، و(الصوم الطبي) لمجموعة من المؤلفين، (إنجيل برنابا)، و(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي.
أما الكتاب الذي كان اثيرا عنده، تراه غالبا بين يديه، فهو (مكتوبات الإمام الرباني) لأحد أئمة الطريقة النقشبندية الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي، وكتاب (مختصر كنز العمال).
وكنت أنا وبعض إخونه نرغب إليه أن يقدم لبعض مؤلفاتنا، رجاء البركة، ونعتبر مقدمته تزكية للكتاب، فكنت أعجب كيف كان يقرأ مسودة الكتاب كلمة كلمة قبل أن يكتب المقدمة.
ولم يترك القراءة حتى في الدقائق الأخيرة من حياته وهو في المشفى !!
دعي في السبعينيات للقاء كبار رجال الفكر الشيوعي في الاتحاد السوفياتي سابقا، فأحضر عشرات الكتب للينين، وماركس، وغيرهما، أكثر مطالعتها، واستخرج منها الكلمات التي كان يفتتح بها كلماته في الكرملين وغيره، مما يجذب به قلوب وعقول المستمعين.
وقال في مرات كثيرة أنه قرأ الأناجيل حتى كاد أن يحفظها، وذلك ليستفيد منها في حواره مع المسيحين، فقد كان الشيخ رحمه الله مدرسة نادرة من مدارس الحوار.
وكان يكثر من قراءة
وكانت له في أسلوب قراءته للكتاب طريقة فريدة فكان يمسك بيده قلما، ويضع خطا إشارة في زاوية كل صفحة قرأها، فإذا أعاد قراءة الكتاب أو قرأة الصفحة ستجد خطين أو ثلاثة فتعرف بذلك عدد مرات تكرار القراءة.
ويضع أقواسا على الجمل المهمة، ويكتب في مقدمة الكتاب وفي نهايتها مسردا فيه أهم الأفكار التي التقطها من الكتاب وأماكن ورودها.
ولذلك لا تكاد تمسك كتابا من مكتبته إلا وتجد إشاراته، وتعليقاته.
وكان يكثر من أن يقول لي: (لا تسلم نفسك لكتاب، كن دائمآ قارئا ناقدا).
رحمه الله، وجدد الفضل والأنوار على قبره، وبين يديه.
صاحب قارئا حتى تقرأ ..
ولنا لقاء آخر ..
(اللهم بارك لنا في شامنا).